ابراهيم الجر 1873- 1936
أولا: حياته
ولد ابراهيم خليل الجر في يحشوش سنة 1873، وتوفي سنة 1936. وهو لم يدخل المعاهد التي تتعاطى تعليم الفنون التشكيلية، وقد تعاطى الفن بالفطرة. ثقافته اكتساب ومجهود خاص عن طريق المطالعة. كان ابراهيم الجر شيخ صلح في قرية يحشوش، وبقي كذلك حتى وفاته. وكان في رأس اهتماماته خدمة أهل قريته. ويروى أنه في خلال الحرب العالمية الأولى، كانت الدولة العثمانية تفرض على كل قرية مبالغ محددة من المال يقوم بجمعها شيخ الصلح. ولكي يخفف عن كاهل أبناء قريته الذين كانوا يعانون من المجاعة في ذلك الوقت، قام ابراهيم الجر بصنع نقود مماثلة تماما للريال المجيدي العثماني، وذلك لتسديد ما يتوجب على القرية من ضريبة للدولة العثمانية. وحتى لا تكون عقوبته قطع الرأس أو السجن المؤبد في حال اكتشاف هذا التقليد للعملة المطابق تماما ، تعمد الخطأ في التزوير ووضع لكلمة قسطنطينية نونا واحدة بدل حرفي نون: "عز نصره ضرب في القسطنطية".
كانت لدى ابراهيم الجر صيدلية. فالمامه بالطب وكثرة معلوماته جعلت سكان قريته والقرى المجاورة يستعينون بخدماته كطبيب. وبالأضافة الى تعدد مواهبه وتنوعها، كان شديد الميل الى التصوير، وهو أحب كثيرا السفر الى أوروبا، وبالأخص ايطاليا، لزيادة معلوماته في هذا الحقل. لكن شدة معارضة أهله لفكرة تعاطيه فن الرسم والتصوير، حالت دون بلوغه ما كان يتمناه.
ثانيا : أعماله
ان ما تركه لنا ابراهيم الجر من أعمال فنية يعود الفضل فيه الى مجهوده الشخصي النابع من حبه لممارسة الفنون التشكيلية. فاذا أردنا تحليل لوحاته الزيتية من الناحية الموضوعية، فهي تنحصر في رسم الأشخاص والقديسين؛ وأكثرها مواضيع تخص الكنيسة.
أما من ناحية التقنية، فنجد أنفسنا أمام فنان يجيد استعمال الريشة؛ فالطريقة التي ينتقل بها من لون ليدخل في الآخر، تدل على خبرة في هذا المجال، خاصة أن مزجه للألوان مهذب ونظيف، واختياره لهذه الألوان يذكرنا بالأعمال العظيمة التي تمثل المرحلة الأولى من عصر النهضة الايطالية؛ كما أن الحفاظ على التوازن عند تصميمه للوحة - وهو الفنان الذي لم يتعلم قواعد فن الرسم بل اكتسبها بجهد فردي - لهو الدلالة الواضحة على موهبة ساكنة في داخله.
وبحكم كونه من رجال الثقافة، فمن المؤكد أنه كان مطلعا على معظم أعمال كبار فناني المرحلة الأولى من عصر النهضة. لذلك، نجده متأثرا بهذه المرحلة في لوحاته الزيتية التي تمثل مواضيع تتعلق بالكنيسة أو برسوم الأشخاص. ومن المعروف أن اللوحات الزيتية التي تعود للمرحلة الأولى من عصر النهضة الأيطالية تتميز بتصميمها المبني على قسمين: القسم الأول وهو "ال بريمو بيانو" أو المنطقة القريبة؛ والقسم الثاني وهو "لوسفوندو" أو المنطقة البعيدة.
فالموضوع بكامله ينحصر في القسم الأول، ويتوزع الأشخاص فيه على شكل صليب، ويلحقه، في القسم الثاني، المنظر الطبيعي البعيد عن عين الناظر.
فاذا أردنا تحليل لوحة ابراهيم الجر"مار سمعان العامودي"، نرى أن الموضوع يرتكز كله في المنطقة القريبة من عين الناظر، وجميع الأشخاص يتوزعون عاموديا وافقيا ، مشكلين الصليب المذكور أعلاه؛ ونجد أيضا المنظر الطبيعي في الأفق، وهذا ما يؤكد تأثره بالمرحلة الأولى من عصر النهضة الأيطالية.
ولا تختلف باقي لوحاته عن ذلك، كلوحة مار بطرس وبولس الموجودة في كنيسة دير العذرا- كسروان. وأيضا اللوحة الزيتية الموجودة في كنيسة سيدة غوشريا في يحشوش.
من ناحية أخرى، ومن باب التعمق في التحليل التقني، نرى في لوحات ابراهيم الجر جمودا مشابها لما نلمسه من غياب للحركة في أعمال المرحلة الأولى من عصر النهضة الايطالية. وهذا الجمود عائد لعدم وجود أصول علم المنظور في هذه اللوحات، وعدم استخدام الاكتشافات التي حصلت في المرحلة الثانية والمرحلة الثالثة من ذلك العصر عند بعض الفنانين العظام؛ كالفنان ليون البيرتي الذي وضع قواعد علم المنظور و"بيارو دللا فرنشيسكا" الذي يكملها، و"ليوناردو دافنشي" الذي استنبط تقنية "السفوماتورا أي الغاء الخطوط والانتقال من طبقة لونية الى طبقة أخرى بطريقة التدرج الدقيق جدا .
أما ما توصل اليه ابراهيم الجر دون الاستعانة بأي من هذه الاكتشافات التقنية، فله أهمية كبيرة وقيمة خاصة اذ انه ينبع من احساس الفنان ومن قدراته على التعبير بلغة تشكيلية خاصة وفريدة. وهذا النتاج يعوض بما فيه من صدق في التعبير وبساطة في اللغة عما ينقصه من اتقان تقني ودقة عملية.
لائحة ببعض أعمال ابراهيم الجر الزيتية التي نعرفها
أولا - في الكنائس:
1- كنيسة مار سمعان في يحشوش
2- كنيسة سيدة غوشريا في يحشوش (عدد3)
3- كنيسة سيدة قمهز
4- كنيسة مار الياس الكحاله 5
- كنيسة مار يوحنا المرادية
6- كنيسة مار جرجس حقل الريس- غباله
7- كنيسة مار أنطونيوس عين الجاع - غباله
8- كنيسة مار يوحنا - شننعير
9- كنيسة السيدة - الغينه
10- كنيسة مار سركيس وباخوس - غباله
11- كنيسة مدرسة القرن - المرادية (1)
12- في أنطش جبيل، مار يوسف والطفل يسوع
13- في كنيسة مار أنطونيوس نيحا، مار أنطونيوس 1905
14- في مطرانية عرمون
15- القديس يوحنا مارون - في ديره في البترون (1901)
16- القديسان بطرس وبولس - دير العذرا - العذرا فتوح كسروان (1900)
17- كنيسة دملصا، مار نهرا (1900)
18- كنيسة الوردية - يحشوش
ثانيا - في العائلات:
1- رسم بالزيت في منزل سمعان فارس زوين/ يحشوش (عدد2)
2- رسم بالزيت في منزل فايز عطالله/ يحشوش
3- رسم بالزيت في منزل أديب زوين/ يحشوش
4- رسم بالزيت في منزل الياس طنوس عطالله / أدونيس
5- رسم بالزيت في منزل خليل الجر/ يحشوش
6- رسم بالزيت في منزل سمعان الخوري سعيد / يحشوش
7- رسم بالزيت في منزل جوزف رزق الله / أدونيس
8- رسم بالزيت في منزل حبيب عطالله / أدونيس
9- رسم بالزيت في منزل الأب طوبيا سعيد / مشان
10- رسم بالزيت في منزل ايلي خير الله / زيتون (عدد2)
11- رسم بالزيت في منزل ميشال الجر/ يحشوش
12- رسم بالزيت في منزل جان وجاك مراد / المرادية
13- رسم بالزيت في منزل جرجس الخوري زوين / يحشوش 1896
14- بسكنتا (عند ابنة شقيقه)، الهراوي
15- بجه (عند خالته)
16- لوحة زيتية للسيد يوسف زوين (دير مار روحانا) 1905
لا شك أن هذه الأعمال المذكورة سابقا ليست الا القليل من الكثير، ونأمل أن تتوفر لنا الامكانات وتسمح لنا الظروف لنكتشف الأعمال الباقية والتي لم تتلف كما تلف غيرها، وأن نتوصل يوما ، بفضل الأصدقاء والقيمين على المحافظة على التراث اللبناني، أن نعطي هذا الرائد اللبناني الأصيل حقه، وأن نعيد اسمه الى الأذهان، ان في مسقط راسه، يحشوش، هذه القرية الغنية بتاريخها وبرجالاتها، وان في منطقته، وان في بلاده. ان تجاهلنا أو جهلنا عبقرية أبناء جبالنا، فالجهل سوف يزول، أما العبقرية فباقية. وعندما تستفيق النخبة من مثقفي هذا العصر، ستجد أنه من العبث أن ندخل التاريخ ان لم نعط الفنان والمفكر والشاعر حقهم، وان لم نظل أوفياء لصانعي التاريخ في موطن الأرز.